روائع مختارة | روضة الدعاة | زاد الدعاة | من تأنى.. نال ما تمنى

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > زاد الدعاة > من تأنى.. نال ما تمنى


  من تأنى.. نال ما تمنى
     عدد مرات المشاهدة: 3200        عدد مرات الإرسال: 0

من روائع أمير الشعراء أحمد شوقي قصيدة يتناول فيها قصة إحدى العصافير وهي تعلم ابنها الطيران، يقول فيها:

رأيتُ في بعضِ الرياضِ قُـ بَّرَةْ   تُطَيِّرُ ابنَها بأَعلى الشَّـ جَره

وهْيَ تقولُ: يا جمــ ـ ـ ـ ـ الَ العـ شِّ   لا تعتَمِدْ على الجَناح الهَشِّ

وقِفْ على عودٍ بجنبِ عــ ـ ـ ـ ـ ـ ودِ   وافعل كما أَفعلُ في الصُّعودِ

فانتقلَت من فَننٍ إلــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ى فَنَنْ   وجعلتْ لكلِّ نقلة ٍ زمــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ نْ

كيْ يَسْتريحَ الفرْخُ في الأَثنــ ـ ـ ـ ـ اءِ   فلا يَمَلُّ ثِقَلَ الهــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ واءِ

لكنَّه قد خالف الإشــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اره   لمَّا أَراد يُظهرُ الشَّطــ ـ ـ ـ ـ ارهْ

وطار في الفضاءِ حتى ارتفعــ ـ ـ ـ ا   فخانه جَناحُه فوقعــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ا

فانكَسَرَتْ في الحالِ رُكبتــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اه   ولم يَنَلْ منَ العُلا مُنــ ـ ـ ـ اهُ

ولو تأنى نالَ ما تمنَّــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ى   وعاشَ طولَ عُمرِهِ مُهَنَّـ ا

لكلِّ شيءٍ في الحياة وقتــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هُ   وغاية ُ المستعجلين فـ وته!

هذه قصة رمزية للذي يستعجل في أموره، وفي حكمه على الأشياء، وفي تقييمه للأفكار والأشخاص، ولا يتأنَّى حتى يتبين الصواب، ويتثبت من الأمر، وتلك العجلة طبع في كثير من الناس، وقد قال تعالى ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ يعني طبعه العجلة في الأمر، حتى إنه ليستعجل الهلاك ﴿وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا﴾.

ولكن من رحمة الله به أنه لا يعجل له الشر الذي يريده، بل يمهله ويريه الآيات، ويعطيه الفرصة بعد الفرصة ﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾.

والعَجُول كثيرُ الوقوع في الخطأ، قليلُ التقدير لعواقب الأمور، ومن كلام الحكماء: «إياك والعجلة، فإنها تكنّى أم الندامة، لأن صاحبها يقول قبل أن يعلم ويجيب قبل أن يفهم، ويعزم قبل أن يفكر، ويحمد قبل أن يجرب ولن تصحب هذه الصفة أحدا إلا صحب الندامة وجانب السلامة».

 وقد رأينا كيف أن استعجال سيدنا موسى عليه السلام فوَّت عليه وعلينا معرفة المزيد مما يفعله الخضِر عليه السلام، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما أخرجه البخاري: «وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا».

لهذا فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى التأني، وذم العجلة، فأخرج أبو يعلى أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ: «التَّأَنِّي مِنَ اللهِ، وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ». وفي رواية الترمذي: «الأَنَاةُ مِنَ اللهِ، وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ». وأخرج أبو داود عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «التُّؤَدَةُ فِى كُلِّ شَيْءٍ خَيْرٌ، إِلاَّ فِى عَمَلِ الآخِرَةِ».

قد يدرك المتأنّي بعض حاجته   وقد يكون مع المستعجل الزلل

ومن أسوإ ما تقع فيه العجلة: التسرع في الحكم على الأمور من غير وقوف على حقيقتها وظروفها، ولا مراجعة لما وراءها، بل يحمل حبُّ الشهرةِ والظهورِ البعض على التعليق على ما لا علم له به، وانتقاد ما لا وقوف له على حقيقته وأبعاده.

فإذا ما اتضحت الأمور وبانت الحقائق وجدته كمن امتلأ فمه ماء لا يكاد ينطق، والأعجب أن يتكرر هذا من الشخص مرات عديدة ولا يفكر في مراجعة هذا المنهج الفاسد في النظر إلى الأمور وتقييم الوقائع والأشخاص.

ومن أسوإ ذلك أيضا: مسارعة البعض إلى الرد على الكلام قبل أن يتمه قائله، بل قبل أن يفهم ما يقصده قائله، فيفترض أن المتكلم يقصد شيئا ما ويأخذ في انتقاده، وهو بعيد كل البعد عما قصده المتكلم، ولله در يحيى بن خالد البرمكي الذي أوصى ابنه جعفراً فقال:

«لا تَرُدَّ على أحدٍ جواباً حتى تفهم كلامَه؛ فإن ذلك يصرفك عن جواب كلامه إلى غيره، ويؤكد الجهلَ عليك، ولكن افهم عنه، فإذا فهمتَه فأَجِبْه، ولا تتعجلْ بالجواب قبل الاستفهام، ولا تَسْتَحِ أن تستفهمَ إذا لم تفهم؛ فإن الجواب قبل الفهم حمقٌ».

ما رأيك عزيزي القارئ فيما يفعله كثير من المنتقدين للرئيس الدكتور محمد مرسي، حيث اتهموه بعدم الثورية لأنه قَبِل أن يخوض الانتخابات في ظل حكم العسكر، وزعموا أن لن يسقط حكم العسكر ولن يسقط الإعلان الدستوري المكبل، تنفيذا لصفقة مزعومة عقدها الإخوان مع العسكر، ولن يقدم للثوار شيئا ولن يخرج معتقليهم من السجون، ولن يتمكن من تغيير النائب العام، ولن يحافظ على دماء الشهداء.

وإذا بالرئيس مرسي بعد أناة وحكمة ومشاورة لأهل الرأي يفاجئهم في الوقت المناسب بإسقاط حكم العسكر الذي استمر نحو سنتين عاما، وبإسقاط الإعلان الدستوري المكبل، وبالعفو عن كل الثوار المعتقلين والمحكومين.

وبتغيير النائب العام، وغير ذلك من القرارات التي لم يكن غير مرسي ليقتحمها ويتخذها، فتمتلئ الأفواه ماء، ويبدأ طابور الذين يلتمسون العيوب في اختراع عيوب جديدة والبحث عن شيء يستمسكون به لمحاصرة الرئيس والتدليل على فشله، والأدهى أن بعض من كان يطالب الرئيس مرسي بالتعجيل باتخاذ هذه القرارات هم من انتقدوها أو عابوها.

يا سادة يا كرام إن الحكمة تقتضي وضع الشيء في موضعه، وانخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب حتى يتحقق به الغرض المقصود، فربما كان الاستعجال بقرار ما قبل أوانه سببا في فساد كبير، لكنه حين يصدر في توقيت مناسب يحقق مكاسب عظمى للأمة:

إذا لم تستطع أمراً فدعه  وجاوزه إلى ما تستطيع

وفي هذا الإطار جاءت قرارات الرئيس مرسي في توقيتاتها المناسبة، ونأمل أن تأتي سائر القرارات كذلك حتى تتحقق كامل أهداف ثورتنا العظيمة في وقت قريب بإذن الله.

وهنا أذكِّر –فقط من باب التذكير لا غير- بموقف من السيرة النبوية العطرة، فقد كان عبد الله بن أبيّ زعيم المنافقين يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عمر وغيره من الصحابة رضي الله عنهم يستأذنون في قتله فيرفض النبي صلى الله عليه وسلم، ويترك الناس –بمن فيهم آل عبد الله بن أبي- يكتشفون الحقيقة حتى صار الجميع هم من يعاتبه ويوبخه، ففي سيرة ابن هشام: «وَجَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا أَحْدَثَ الْحَدَثَ كَانَ قَوْمُهُ هُمْ الَّذِينَ يُعَاتِبُونَهُ وَيَأْخُذُونَهُ وَيُعَنِّفُونَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ، حِينَ بَلَغَهُ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِمْ: كَيْفَ تَرَى يَا عُمَرُ، أَمَا وَاَللَّهِ لَوْ قَتَلْتُهُ يَوْمَ قُلْتَ لِي اُقْتُلْهُ، لَأُرْعِدَتْ لَهُ آنُفٌ، لَوْ أَمَرْتهَا الْيَوْمَ بِقَتْلِهِ لَقَتَلْتُهُ، قَالَ عُمَرُ: قَدْ وَاَللَّهِ عَلِمْتُ لَأَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمُ بَرَكَةً مِنْ أَمْرِي». إنها الحكمة التي يتعلم منها الرئيس مرسي وكل من يريد أن يسير بأمته نحو الاستقرار والنهوض بشكل صحيح أن يتخذوا القرار في الوقت المناسب: 

إذا هبت رياحك فاغتنمها فإن لكل خافقة سكون

لا يعني هذا أن نقف صامتين في انتظار القرارات التي يتخذها الرئيس والحكومة، بل إن دورنا أن ننير الطريق أمامهم بآرائنا ومشورتنا وتصحيحنا لما نرى من أخطاء، وأن نطالبهم دائما بالشفافية وتوضيح ما يمكن توضيحه من الحقائق حتى نسهم معهم في بناء رؤية صحيحة للحدث والتعامل المناسب معه.

والتفهم الواضح لما قد يكون من تأخير أو تأنٍّ في أمر من الأمور. ولا أتصور أن دورنا - كما طالب البعض- هو التربص بالرئيس والتماس العيب للبرآء وتضييق الخناق على متخذ القرار.

ولا أن نكون ناقدين لكل ما يصدر من قررارات ومحرضين على التظاهر وعدم القبول لكل قرار، ومحركين لفئات الشعب المختلفة للنزول إلى الشارع في كل صغيرة وكبيرة، فهذا عبث بالوطن وبالمستقبل.

وفهم مغلوط وخطير لمعنى المعارضة السياسية، جعل بعض الكتاب الذين كانوا يملؤون الصفحات بالحديث عن فساد النظام البائد، لمجرد الرغبة في المعارضة يتبنون الدعوة للتصالح مع رأس النظام البائد وتكريمه! (هكذا يتحدثون عن تكريمه!) .

مرحبا بالمعارضة التي تبحث عن مصالح الأمة وتمد يدها للإصلاح، وأما الذين يعتبرون المعارضة رفضا لكل ما يصدر عن الرئيس والحكومة ولو كان حقا وفي صالح الأمة فنقول: سلاما
 
الكاتب: أ. د/ عبد الرحمن البر

المصدر: موقع على بصيرة